أخبار عاجلة
الرئيسية / كتابات / وداعاً 2019.. 2020 عام نصر وسلام

وداعاً 2019.. 2020 عام نصر وسلام

 

المرصد: بقلم: أ. د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

 

لم يتبقَّ من عامنا الحالي 2019م إلا بضع ساعات ودقائق معدودات، فالبشرية بملياراتها السبعة ونيف من أقصى شرق الكرة الأرضية حتى غربها يحسبون ويرصدون لحظات وداعه بدقة متناهية، فمنهم يحلم بعامٍ جديد يملأُه الأمل في الأمن والسلام، ومنهم يحسبه بمقاييس مشاريعه الخاصة والجماعية، ومنهم من يود لقاء شريكة حياته مع انبلاج فجر عامٍ جديد في العام الجديد 2020م باعتباره تاريخاً ورقماً مميزاً كي يثبته في سجل حياته المهنية والأسرية ويرويها لطلابه وأحفاده.

وهناك من أكمل التحضير أو أوشك أن يكمل الاستعداد لحفل صاخب بليلة حمراء تموج طاولاتها بأطيب وألذ الوجبات وتوابعها لتوديع آخر دقائق وثواني العام القديم ليحتفل بالعام الجديد مع عزف صاخب لموسيقى تُخصص لهذه الساعات والدقائق.

وهناك مجاميع تعد بالملايين ممن ينتمون إلى هذه (البشرية الظالمة) يتوقون للحصول على وجبة فطور أو غداء أو عشاء يقدمه أهل الخير من بني جلدته ودينه وعرقه أو حتى من غيرهم لكي يبقى هو وأسرته على قيد الحياة.. هكذا هو حال البشرية ونظمها السياسية والاجتماعية المختلفة التي تعيش معاً في كوكبنا الأرضي هذا.

شتّان بين كل تلك الأمم والأقوام، فمنهم مَن يتوق لحفل صاخب وآخرين يتمنون كسرة خبز جاف ليغطي جزءاً من رمق جوعهم. وشتّان بين مظاهر الفرح الطاغي وبين الألم والوجع الذي يسود هذا العالم غير المنصف، وشتّان بين مفردات الحرية والعبودية، مع أن القاسم المشترك بين جميع هؤلاء المحتفلين واحد بأنهم بشر يتنفسون الأوكسجين ويشربون أقداح الماء وينامون ويسهرون، لكن الفارق هو الوعي والشعور والإحساس  بالأشياء والواقع المحيط بهم، وهو الذي يميز وعي تلك الأقوام.. نعم هي احتفالات واحدة لكن كما يقولون (كلٌ يغنّي على ليلاه).

نحن في اليمن على سبيل المثال، يتجرع شعبنا العظيم شتى صنوف القهر والظلم من ذوي القربى (العُربَان) جراء العدوان والحصار والآلام والجوع مُنذ تاريخ 26 مارس/آذار 2015م وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لأن دول العدوان السعودي- الإماراتي ببساطة أسكتت العالم بالإغراء المادي والإعلامي لكي يصمت على ما جرى وما يحدث من انتهاكات تمسُّ الضمير الجمعي للبشرية الإنسانية جمعاء وغض البصر والنظر عما يحدث لليمن وشعبه الكريم، فالمريض والطالب والمواطن العادي وغيرهم يُمنعون من السفر من مطار صنعاء الدولي تحت حجج تافهة وغير أخلاقية، وحينما يتجشم صعاب السفر إلى مطار عدن أو مطار سيئون يحتاج أن يقطع المسافة البرية لقرابة عشرين ساعة أو ضعفها لكي يصل إلى المطار. الجريح لا يستطيع الحصول على حاجته من العلاج في الداخل لأن دول العدوان السعودي- الإماراتي دمّرت جزءاً كبيراً من المشافي والمراكز الطبية والمستوصفات الإسعافية ومنعت كذلك دخول الأدوية بانسيابية إلى اليمن تحت حجج لا يقبلها العقل ولا المنطق ولا الأخلاق السوية. يحرمون أطفال اليمن من الالتحاق بالدراسة لأن طيران العدوان دمّر العديد من مدارسهم ولأن معلميهم قُطعت رواتبهم من قبل عملاء ومرتزقة دول العدوان ولأن احتياجات أسر الأطفال توقفت بسبب قطع رواتبهم، علاوة على ذلك دمروا آبار مياه الشرب والصرف الصحي وأبراج الهاتف وأعمدة الكهرباء و لم تسلم من طيران دول العدوان لا الجسور ولا الطرقات ولا الآثار التاريخية.

إنه عدوان شامل لم يُبقِ على شيء، والغريب يقولون إنهم فعلوا كل ما أقدموا عليه من أجل الشعب اليمني، هل يستقيم هذا الأمر مع واقع ما يقومون به؟

المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء أمَّنَا الجبهة الداخلية وسهّلَا انتظام الحركة التجارية وتوفير الحد الأدنى من دفع نصف راتب للموظفين وكبحا تسارع انهيار سعر صرف العملة المحلية (الريال اليمني) وغيرها من الإجراءات التي خففت على المواطن اليمني في المحافظات الحرة سبل معيشته وحياته واستقراره.

كما أمددنا الجبهات العسكرية المفتوحة بالعتاد والرجال وطوَّرنا السلاح الاستراتيجي، سلاح الطيران المسير والصواريخ العابرة للحدود، وقد كان لوصول سلاحنا المسير إلى مصافي شركة أرامكو السعودية الأثر المباشر بأننا لم نعد في موقف المدافع فحسب، بل إننا في موقع المهاجم الواثق، وقد كان عنوان النصر الأبرز هو في تحقيق النصر في معركة ما وراء الحد الشمالي من اليمن، حينما شاهد العالم أجمع أرتالاً من الأسرى السعوديين ومرتزقتهم من اليمنيين والسودانيين وغيرهم في عملية نوعية سماها الجيش اليمني واللجان الشعبية عملية “نصرٌ من الله”.

 

وما زلنا في المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ الوطني نجابه جملة من التحديات ترتبط في معظمها بحياة المواطنين المدنيين الذين يعانون مع عدم تمكننا من دفع رواتب الموظفين بسبب نقل وظائف البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى فرعنا في عدن واستمرار دول العدوان بالسماح لمرتزقتهم من أعضاء حكومة المنفى بطباعة الريال اليمني بمبلغ تجاوز تريليونين و123 مليار ريال (2.123 تريليون ريال يمني)، استمرار الحصار الجائر من جميع المنافذ البرية والبحرية والجوية وإغلاق مطار صنعاء الدولي والتدمير شبه الكامل للبنية التحتية، كل هذه العوامل أثرت في الحياة المعيشية للمواطن اليمني.

لكننا بالمقابل وبعد صمود وطني شعبي يمني أسطوري لقرابة خمسة أعوام، تجد جيشنا اليمني واللجان الشعبية يحققون الانتصارات في الجبهات العسكرية وما وراء الحدود، وما زال التصنيع الحربي ينجز أعظم سلاح وطني وهي الطائرات المسيرة والصواريخ المجنحة والباليستية من فئة الصماد والبركان وبدر وغيرها من أنواع الصواريخ التي أوجعت العدو كثيراً واستطاعت أن تُخرج 50% من إنتاج وتسويق شركة أرامكو السعودية ذائعة الصيت عن الخدمة، وهذا لم يحدث في كل تاريخ الشركة ولا في تاريخ المملكة العربية السعودية برمتها، إضافةً إلى تماسك المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية والسياسية والتشريعية، وتطور أدائها بشكلٍ فاعل، وقد أنتجت كل هذه المؤسسات الرؤية الوطنية لبناء الدولة الوطنية الحديثة.

إن المعطيات على الأرض رسمت واقعاً جديداً يفرض ذاته نحو الحل السياسي بين صنعاء والرياض وأبو ظبي وهذه المعادلة الجديدة هي سر أسرار الحل السياسي القادم بإذن الله تعالى، لأن الثبات والصبر والبصيرة هي عوامل ذلك التوازن الذي سيقرر مستقبل السلام الشامل العادل في منطقتنا العربية ومحيطنا الإقليمي بإذن الله تعالى وما كان بالأمس مستحيلاً ومحالاً سيغدو بالغد القريب أمراً طبيعياً وواقعياً.

لكن خذوا على سبيل المثال ما يحدث في الطرف المقابل لنا وهي دول العدوان وأتباعهم من العملاء والمرتزقة. إنهم يعيشون في أرذل مراحل العمر السياسي والعسكري والأمني، وإنهم في حالة اختناق وتخبط وتضارب في المصالح، لأن الأمر ببساطة هو أنَّ تحالفهم العدواني الذي بدأ بحربهم على الشعب اليمني منذ خمس سنوات تقريباً، قد بدأ على أسس ومصالح متناقضة ومتباينة وكل طرف لديه مشروع سياسي خاص به وبالتالي فالمنطق يقول حينما تتباين وتتناقض المصالح بين الشركاء فإن مصير الشراكة لا محالة هو التفكك والتشرذم والتشظي وصولاً إلى التقاتل في الشوارع والحارات و(الحوافي)، هذا هو حال خصومنا اليوم تماماً.

وفي السياق ذاته ولترابط قضيتنا اليمنية الداخلية الوطنية مع محيطنا الإقليمي والدولي الذي يؤثر بشكل مباشر وغير مباشر في تحديد بوصلة المسار السياسي والعسكري، دعونا نقرأ معاً من خلال ما تبقى من زمن في عامنا الحالي مع استشراف بانورامي للأحداث:

أولاً: بالإشارة إلى وجود معسكرين ومشروعين متناقضين في ملمحهما السياسي والعسكري والأمني يتجاذبان المنطقة كلها، فإنَّ علينا أن نقرأ الأحداث بشكلٍ متأن من خلال هذين المشروعين اللذين لا ثالث لهما:

 

المشروع الأول:

هو معسكر الدول العربية والإسلامية التي سعت وتسعى منذ أزيد من عقدين من الزمان للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحمي مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية، تلك الدول عديدة وأبرزها دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية، هذا المعسكر قد نجح في إقصاء دول كبيرة في المنطقة العربية بأشكال عديدة، فإما إلى تحييدها كحالة جمهورية مصر العربية أو إلى إضعافها كسوريا واليمن أو إلى غزوها وتدميرها كالعراق وليبيا، لكن في نهاية المطاف لم تحقق الولايات المتحدة وهذه الدول أهدافها بل نستطيع الجزم بأن مشروع التطبيع يتعثر في أكثر من موقع لأسباب موضوعية وذاتية.

 

المشروع الثاني:

هو معسكر المقاومة للمشروع التطبيعي مع الكيان الصهيوني، ويقف في مقدمة هذا المشروع جمهورية إيران الإسلامية والعراق وسوريا ولبنان واليمن، وكل الأحرار في عالمنا العربي والإسلامي، هذه الدول برغم الحصار والعدوان وإثارة الرأي العام المحلي في داخل بعضها، وهو ما يسمى (بحروب الجيل الرابع) إلاّ أن محور المقامة أظهر تماسكاً قوياً ويحقق انتصارات على جميع الصّعُد.

ثانياً: نجاح مؤتمر كوالالمبور الإسلامي الذي انعقد في ديسمبر/كانون الأول 2019م والذي جمع كلاً من قادة ماليزيا وتركيا وإيران وقطر وممثلين من العديد من الدول الإسلامية بالإضافة إلى ممثلين عن المؤسسات الفكرية والثقافية والأكاديمية للدول الإسلامية.

نجاح فكرة الالتقاء والخروج بمخرجات واقعية لحالة الواقع الإسلامي الصعب ومواجهة ثقافة الإسلاموفوبيا التي روجت له الدوائر الاستخباراتية الغربية ذات الطبيعة الصهيونية وغيرها من التحديات التي تجابه عالمنا الإسلامي. لقد كان المؤتمر مؤشراً إيجابياً على إمكانية تبني الأفكار العظيمة للأمة برغم محاولات كلٍ من المملكة السعودية والإمارات العربية لإجهاض المؤتمر بالضغط والترهيب لكلٍ من جمهورية إندونيسيا وجمهورية باكستان بالضغط عليها بعدم المشاركة، لكن المؤتمر نجح نجاحاً باهراً.

ثالثاً: ضعف التسويق السياسي والأخلاقي لموضوع التطبيع مع العدو الإسرائيلي الصهيوني ولم تلقَ الفكرة أي رواج لها في الشارع السياسي العربي وفي دول التطبيع ذاتها وحتى في أروقة الأمم المتحدة، وكما سماها الرئيس التونسي الجديد السيد قيس سعيد، بأن التطبيع خيانة واضحة للأمة العربية والإسلامية ولحقوق وقيم الشعب العربي الفلسطيني، وأن صفقة القرن التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته هي الأخرى سقطت بصمود الداخل الفلسطيني وقياداته من جميع الأحزاب، والتضامن الدولي مع القضية العادلة للفلسطينيين، وفي الأسابيع الأخيرة أحالت لجنة الجنايات الدولية جرائم “إسرائيل” الصهيونية إلى التحقيق والقضاء الدولي في مؤشر هام على استيقاظ وعي المشرّعين القانونيين الدوليين تجاه ما يتعرض له الشعب العربي الفلسطيني من انتهاكات وجرائم بحقه.

رابعاً: النجاحات الكاسحة التي حققها الجيش العربي السوري وشركاؤه في مقاومة العصابات الإرهابية للقضاء على من تبقى من فلول العناصر الإرهابية تؤشر إلى نهاية العدوان الدولي على الجمهورية العربية السورية وبنجاح سوريا تكون نهاية حتمية للمشاريع المتصهينة في المنطقة العربية أو إضعافها على أقل تقدير.

خامساً: حينما نشاهد معاً تلك السفن والطوربيدات والغواصات والبارجات وحاملات الطائرات لكلٍ من روسيا الاتحادية والصين الشعبية وإيران الإسلامية وهي تعوم معاً في المياه الدافئة لخليج عُمان وبحر العرب في استعراض للقوة والتنسيق العسكري المباشر، فإننا أمام مشهدٍ واضح لأفول العصر الأميركي والبدء بنشوء حلف عسكري استراتيجي جديد يبشر بتوازن القوى وسقوط أُحادية الهيمنة الأميركية للأبد.

سادساً: ما يدور من صراع سياسي وقانوني حاد وهو ما يشبهه بعض المحللين الإعلاميين (بالحرب الأهلية) الداخلية بين الحزبين العتيدين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الأميركية بشأن حكاية عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول مخالفاته الدستورية كما يدّعي الحزب الديمقراطي، يعد هو الآخر معركة سياسية ضد الفكر الشعبوي اليميني الذي تتبناه قوى اليمين الأميركي وبضمنها الحزب الجمهوري والرئيس ترامب، ومهما تكن نتائج ذلك التصويت ونجاحه إلّا أنه يشكل إدانة لجميع السياسات اليمينية المتطرفة على مستوى حركة اليمين السياسية على مستوى العالم أجمع وقد ذاق العالم مرارتها وبالذات في الحرب العالمية الثانية.

سابعاً: أين تقع اليمن وشعبها العظيم من كل هذا السيناريوهات التي تتحقق فصولها على المشهدين اليمني بالذات والعربي على وجه العموم، ومن خلال القراءة السياسية تتضح الصورة على النحو الآتي:

أ) إن محور المقاومة في عالمنا العربي  والدولي  ينتصر ويحقق نقاط قوة في هذا الصراع الدامي بين محوري المقاومة والتطبيع.

ب) إن بوادر الحل السياسي يقرب للواقع أكثر من أي وقت مضى إلى التحقق وفي زمن قياسي.

جـ) إن محور العدوان السعودي- الإماراتي- الأميركي وعملاءهم ومرتزقتهم من اليمنيين يعيشون في حالة صراع دموي حاد في جميع الجبهات ولم يعد لديهم من الجوانب الإنسانية والأخلاقية ما يستر عوراتهم التي تمزقت عنها جميع الأسمال وورق التوت.

د) صمود وتماسك الجبهة الداخلية بقيادة قائد الثورة الحبيب عبدالملك بدرالدين الحوثي والمجلس السياسي الأعلى برئاسة المشير مهدي المشاط ومجلس النواب بقيادة دولة الشيخ يحيى الراعي وحكومة الإنقاذ الوطني ومجلس الشورى بقيادة الحبيب محمد العيدروس ومجلس القضاء الأعلى بقيادة الحبيب القاضي أحمد يحيى المتوكل، جميع تلك المؤسسات كانت صمام أمان الجبهة الداخلية وكانت هي السد المنيع في وجه العدوان الذي شارف على نهاية عامه الخامس.

 

الخلاصة:

نعيش معاً لحظات وداع العام الحالي واستقبال العام الجديد بعد ساعات بروح من الأمل في السلام العادل الذي انتظره شعبنا العظيم الذي صمد في وجه العدوان الغاشم وسيكون العام الجديد عام نصرٍ وسلام بإذن الله تعالى، والله أعْلَم مِنّا جميعاً.

 

وفوق كل ذي علمٍ عَليِم

 

رئيس مجلس الوزراء

عن المرصد نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + خمسة =