اخر الاخبار

أخبار عاجلة
الرئيسية / كتابات / الكاتب فاروق مريش يكتب عن *السيناريو البديل*

الكاتب فاروق مريش يكتب عن *السيناريو البديل*

المرصدنيوز/بقلم /فاروق مريش

في رحلة حياتنا ومحطاتنا المختلفة ، كثيرًا ما نتخيل السيناريوهات المثالية كالزواج الناجح ، النجاح المهني ، القدرة على الإنجاب ، الاستقرار الوظيفي ، الصحة النفسية والجسدية لنا ولمن نرعاهم ، وضعنا التعليمي ، مكانتنا الإجتماعية ، التحرر من العصبية والطبقية … الخ .

اقترابك من النجاح والتوازن الحياتي ، يكون بمقدار جرأتك على تخيل السيناريوهات البديلة ووضع نفسك في مواجهتها ، بما يشبه مصطلح الخطة b في علم التخطيط الاستراتيجي .

لكن ماذا لو تغيرت هذه السيناريوهات بشكل عكسي وحدث ما كنا نخشاه ؟ ماذا لو وجدنا أنفسنا في ظروف مختلفة تمامًا عما تخيلناه وتحسنت أحوالنا ؟

هل نستطيع أن نمتن لله على نعمة فقد البصر ؟ وهل يمكننا أن نسمي فقد البصر نعمة ؟
هل يمكننا أن نشكر الله على نعمة الجلطة والشلل لا سمح الله ؟ وهل فعلاً هي نعمة ؟
هل تخيلنا ذات يوم ونحن نعيش في قصر ملكي ؟ أو في خيمة نزوح وتشرد ؟
هل سنتقبل فكرة الموت لإنسان عزيز وسنتعامل مع الموت على أنه نعمة من الله تستحق الشكر ؟ أم هي مصيبة تنال سخطنا وتذمرنا وشكوانا ؟
هل شكرنا الله عز وجل على نعم كثيرة منسية مثل النوم ، والهواء ، والهضم ، والنبض ، والتفكير ، ورمش العين ، والتنفس اللاإرادي ، وغسيل الدم الذي تقومه به الكلى بشكل مجاني ، والمطر ، والشمس ، وضحكة أطفالنا ، وفهم طلابنا ، ورائحة الفل ، وجمال القمر في ليلة بحرية ساكنة …
يقول الله عز وجل لكل خلقه : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ )
ولهذا فإن شكر النعم المعتادة أثقل من الصبر على المصيبة ؛ لأن عمر النعم طويل يستوجب شكراً ملازماً لها .

السيناريو البديل يتطلب عقلاً مخيالاً وقلباً متجولاً في ملكوت الإفتراضات الربانية التي يمكن حدوثها ويمكننا وفق السنن الإلهية أن نصل إليها سواء سلباً أو إيجاباً .

مع السيناريو البديل لا ينقطع الرجاء بالله مهما تقطعت بنا السبل ، ولا نفقد الثقة بأنفسنا فنحن قدرٌ ومقدار ، ومرسلون ومستقبلون لكل الأقدار التي تدور حولنا تماماً مثل جهاز الموبايل الذي يرسل إشارة كهرومغناطيسية ويستقبلها بنفس الوقت في وسط أثيري متزاحم الموجات التي نراها .

والسؤال ، كيف نتعامل مع السيناريوهات البديلة في حياتنا ؟
ولا أجد أجمل من إجابة الحكمة القرآنية التي تنصحنا: “وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة: 216). فما نعتبره نكبة ومصيبة بمنظورنا البشري القاصر قد يكون سيناريو خير لنا في النهاية ، وما نتعامل معه على أساس النعمة قد يكون نقمة ووبالاً في الدنيا والآخرة .

السيناريو البديل هو الذي تحدث عنه الحديث النبوي ، وهو يؤكد على أهمية الصبر والتقبل ، بإشارة منه إلى التوقع أيضاً : ( عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ ).

فالمؤمن الحقيقي والإنسان الذي أراده الخالق هو المتوقِّع والمتخيِّل والمتقبِّل لكل ما يأتيه بالرضا والشكر . وإن تعاقبت عليه السيناريوهات وتبدلت عليه الأحوال وانكفأت أقداره بعد غليان ، أو أشرق دربه بعد دلجة .

لا تسخط حين تفقد وظيفتك فسيناريو الخيار الأفضل ينتظرك ، ولا تجزع حين تغادر وطنك فسيناريو الثراء متوقعاً ، ولا تنحاز للوجع حين تُرحَّل من غربتك فسيناريو الكرامة والعيش بجوار محبيك له ثمن ، ولا تجزع حين تحرم من الإنجاب فسيناريو الأجر والصبر مؤجلاً ، ولا تركل نعمة الاستقرار والصحة والعافية والأولاد فكذلك السيناريو البديل متأهباً ، ولا تنكري نعمة الأمومة فسيناريو الحرمان معقودٌ جوار رأسك ، ولا تغتر بذكائك وتفوقك الدراسي فسيناريو الرسوب والفشل مرهون بين كن فيكون ، ولا تراهن على قوتك المادية والجسدية والبشرية فسيناريو فرعون وقارون وإرم ذات العماد مرتلاً إلى اليوم ، ولا تيأس وتستسلم لبعدك ، وخذلان محبيك ، وسقوطك في قعر البئر وظلمات السجون فسيناريو حلم يوسف متجدد …

علينا إذن أن نتقبل الواقع كما هو ، مع طموح للأفضل في كل الظروف وفهمنا لقدراتنا وإمكانياتنا بواقعية دون شطحات ، أو سماع للمستشارين الذين يفتقدون لأدوات المشورة ، وبهذا سنكون أكثر رسوخاً وفهماً لسيناريوهاتنا المحتملة وهذا ما يؤكده الفيلسوف الصيني كونفوشيوس : ( حتى أعظم حيتان البحر ليس لديها أي قوه في الصحراء ) ، فاختيار ما يتناسب من سيناريوهات وبدائل مع قدراتنا ومواهبنا هو الوضع الأمثل لحالتنا الراهنة دون استعجال في قطف الثمار .

التعامل مع سيناريوهاتنا الأصلية أو البديلة تتطلب منا ثلاثة أمور :
1- تقبل واقعنا كما هو مع تخيل مستمر للبدائل المحتملة .
2- الامتنان والشكر لله ولمن حولنا ، والاعتراف بالجميل الذي يقدمونه لنا سواء في أوقات الرخاء أو الشدة .
3- ممارسة فكرة التغيير السلس والهادئ الذي نحصل به على حقوقنا دون إيذاء وجرح للذات أو للآخرين . فالعجلة والسرعة ليست سوى طريقة للوصول إلى الخطأ بأسرع وقت ممكن .

في الأخير أؤكد أن السيناريو البديل قد لا يكون مرغوبًا فيه ، لكنه يمثل واقعًا ممكناً نحتاج إلى التعامل معه بحكمة وصبر وتخطيط ، فالله تعالى قد يختبرنا ليرفع قدرنا ويزيد إيماننا ، والجميل في الحياة هو أننا نستطيع أن نغير مجرى الأحداث بإرادتنا ودعائنا وصبرنا ، وأن نكون أبطالاً حقيقيون في أحداث سيناريوهات تستحق أن تُخلد .

9-7-2024
3محرم 1446

عن المرصد نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + إحدى عشر =