اخر الاخبار

أخبار عاجلة
الرئيسية / كتابات / خضرا .. أنثى يابسة في مهب الريح

خضرا .. أنثى يابسة في مهب الريح

 

المرصد نيوز – كتب – فاروق مريش 

 

رواية خضرا ، هكذا كتُبت خضرا بدون همزة بشكلٍ مقصود ، تماماً كرسمة الغلاف الذي يظهر فيه الوجه بدون عين ، وبصوت نداء اللهجة .

ولأن حبها لم يكتمل ، وحلمها ظلّ عصياً على التحقق ، كذلك هي أحرفها لم تكتمل فسميت خضرا .

 

خضرا هي الحرية والتمرد من كل القيود ، خضرا تلك السخط التام والثورة المكتملة على الرجل .

 

خضرا هي الجمال الحقيقي في ظاهره ، والذي تدفق بالزور والانفصام في باطن الشخصية .

 

هكذا هي الأنثى التي وُهبت كهبة من أبيها وهي طفلة ، واختارتها زوجة أحدهم لتكون هي الأضحية التي يُسفك دمها وأنوثتها لرجلٍ يريد أن يرضي غروره وفحولته بطفلة عمرها لا يتجاوز الاثنا عشر .

 

انتقام خضرا من هذا المجتمع الظالم وسرقتها لنور ، وهروبها إلى صنعاء قصة تستحق أن نتوقف بين تفاصيلها كثيراً .

 

تهرب نور الطفلة صاحبة الخمسة أعوام فزعة إلى الشارع ، يتلقفها الحاج ناجي المسايري فيأويها في الجامع لفترة من الزمن ، ثم يحميها من حادثة اغتصاب بشع ويضطر ايواءها هو والعمة في منزلهما ، وحين تموت زوجته يفكر بحمايتها من أولاده فيتزوجها وقد تجاوز السبعين عاماً ، ثم تظهر أمها خضراء مرة أخرى بعد موت الحاج ناجي ، فما أن تستقر حياتها قليلاً حتى تموت خضرا التي اعتقدت أنها أمها ، ثم تذهب لتعمل في بيت الأم زهر والعم جمال ، فتتعرف على العمة صباح التي بدورها تكتشف حقيقتها وأنها ليست خضرا وإنما اسمها نور الطفلة التي هربت بها خضرا قبل أكثر من خمسة عشر عام .

فتقوم بإبلاغ أهلها الحقيقيين ، فيحاول والدها وأخاها تصويبها بأعيرة نارية لكنها نجت ، ثم عاشت بكنف ورعاية سماح وخالد أولاد الحاج ناجي المسايري الذي كان قد تزوج بها ولم يدخل عليها لأنه كان يظن أنها ابنة خضرا حبيبة ولده خالد .

 

كل هذه الحبكة المتقنة والمحيرة والتصاعد والهبوط في العقد السردية تجعل القارئ مرغماً على إكمال الرواية حتى السطر الأخير .

 

رواية خضرا دعوة للإنسان بأن يكون إله قدره ، وأن يضع خطواته في المسار الذي يريده بعيداً عن السخط واللعنات التي يوجهها معظم العاجزين باتجاه القدر والحظ والأهل والمجتمع .

 

رواية خضرا تجعل من الإنسان المهمش التائه الضعيف الذي يرفضه المجتمع أن يكون كائناً له مكانته واحترامه كإنسان ، تجعله بطلاً في مشهدية رمزية لواقعنا القبلي المتعفن بالطبقية والعنصرية السائدة في أعرافنا وتقاليدنا .

 

رواية خضرا تُسلط الضوء على ثقافتين إنسانيتين وتقارن بينهما من الناحية الإنسانية أو كما يحلو للبعض أن يسميها بالانثروبولجيا ، فلون الإنسان وأصله وحسبه ونسبه ولغته ومعتقده من الأمور التي ينبغي أن نتسامى ونترفع عنها ،  كما فعل ذلك المجتمع الغربي حين تعامل مع الدكتورة نور حينما ذهبت إليه لدراسة اللغة لمدة ثلاثة أشهر ..

 

لكن ورغم كل هذه المعاملة المحترمة التي لمستها نور لأول مرة في حياتها ، وشعورها بكرامتها كإنسانة ، إلا أن الأرض والسماء لم تتسعها ، ولم تصبها نوبة الصدمات الحضارية كما تصيب بعض المغتربين حينما يخرجون من أوطانهم ، وكأنها بذرةٌ طيبة ألقيت في غير تربتها ، فحنت لتلك التربة التي أينعت فيها لأول مرة .

 

فهذه الرواية ومن خلال نور جسدت أسمى معاني الدعوة للوطنية والعودة لخدمة ابن الوطن البار مهما كانت الصعوبات والمعوقات التي تواجهنا في ديارنا إلا أن السعادة شيء أسمى من المال والمظاهر .

 

جمال أخاذ في الوصف ، وصف صنعاء والمنازل ووصف الشخوص وكأنك تشاهد الشخصية أمامك ، وتشتم رائحة الشذاب والبخور بين الأسطر ، فعلى سبيل المثال تدهشك الكاتبة وهي ترسم بكلماتها خالد ابن الحاج ناجي المسايري بطريقة احترافية غير مملة ، وتصف العروس الصنعانية في صفحة 74 .

 

روح فلسفية سرت بين ثنايا الرواية وحكم عميقة احتفظت بها لنفسي مثل صفحة 98 التي تتحدث فيها عن الرجل وعنجهيته ، وكذلك صفحة 137 وهي تتحدث عن العلم وأهميته على واقع الأمم والأفراد .

 

ومن هذه الصور الفلسفية التي تجلت في صياغة قصيدة من أجمل ما قرأت في الرواية قصيدة تساؤلات في صفحة 111 .

 

 

ورغم أن هذا اللقاء هو احتفاء بأول عمل روائي للأستاذة حورية الإرياني ، لكن لا يمنعنا أن نهدي بعض التساؤلات والتحسينات للروائية :

 

1- تمنيت أن تنتهي الرواية في صفحة 107 بعدما ماتت خضرا وتذكرت نور قناعتها ( كل حر له الحق في اختيار قدره ).

 

2- اتساءل كقارئ : إذا كان صوت الراوية نور هي التي كتبت قصتها وقصة خضرا في هذه الرواية التي بين أدينا ، فمن كتب مشهد مقتل نور في مشهد مستشفى العرضي .

 

3- كيف دخلت إلى الصف الثاني من المرحلة الإعدادية مباشرة واختبرت بنفس الوقت شهادة صف سادس الوزاري ، وهي بالأساس لا تملك شهادة الصف الأول !

 

4- بعض الأخطاء الإملائية البسيطة التي لا تُذكر ، لكن هناك أخطاء مخلة في الصياغة وهي متعددة مثل قولها في صفحة 105 :

وسألتني الطبيبة عمن أنا لخضرا ، فقلت ” ابنتها ” ، فأجابت باستنكار تقصد به أن لا أكذب عليها .

 

وفي ص 131 تقول : فهو من لابد له من الاجتهاد .

 

5- الانتقال في الأحداث من مشهد الى آخر في غياب تام للسببية ، فبدت الرواية وكأنها ضمن أدب المذكرات اليومية أو السيرة الذاتية ، كما فعلت في ص 139 ، سأروي لكم حادثة ثبتت في ذاكرتي وأجد بأنها فاتحة جيدة لأدخلكم معي باب النهاية … .

 

6- بعد كل سنوات الجامعة والتعليم وركوب المواصلات ذهاباً وإياباً كيف تقول في صفحة 134 لم أكن خبيرة في استخدام المواصلات !

 

كل هذه الملاحظات لا تمثل سوى رأي كاتبها ، ولا تقلل من شأن هذا النص السردي الزاهي بألوان الحرف والحرفية .

 

تحية خاصة لشجاعة الكاتبة في طرح هكذا موضوع ممتلئ بالثيمات التي تعبر عن واقع إنساني مهترئ لمجتمع يتوشح بالفضيلة الذكورية ، ويتعامل بلغة العار والخزي مع كل سلوك تتصدره الأنثى .

 

تُعلمنا خضرا ونور والعم جمال وزوجته زهر أن المعادن ليست بالألقاب والعناوين ، وإنما بالأخلاق والمضامين ، وأن بعض الرجال مهما تلبسوا بلباس الشرف والحرية والانفتاح إلا أنهم ينجرون دوماً لتنكيس راية المرأة كزوجة وابنة وأخت ، رغم أن المرأة لا تقاوم كل هذا الجبروت الموجه باتجاهها وكأنها تواجه ساديتهم بمازوشيتها .

 

وأخيراً رواية خضرا عمل إبداعي ملهم يستحق القراءة مرة ومرات ، حتى نستطيع إكتشاف أغوار النص بشكل أكبر .

 

خضرا ونور وجهان لعملة واحدة ، هما الوطن والأنثى والغربة والعنصرية والحرية والثورة …

هما وردتان ذبلتا دون أن يجدا الماء الكافي لحياتهما اليانعة .

 

 

 

عن المرصد نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − عشرة =