المرصد نيوز / بقلم – أ/ فاروق مريش
تخيل نفسك وأنت تغلق باب محلك ، وتستعد للعودة لمنزلك الذي يقع بالدور الأعلى في نفس العمارة !
أضف لهذا المشهد المُتخيل أن عقرب الساعة كان يشير حينها لشارعٍ شبه خال من المارة وللساعة الثانية عشر ليلاً ، ولقمرٍ يحاول خجلاً إضاءة الظلام بكل ما أوتي من طاقة .
تخيل القمر وهو يستطيع بث النور في كل شيء ، عدا قلب رجل ملثم يصب مادة الأسيت في كوب يضعه بيده اليسرى ، وهو يراقبك من مكان قريب ، ليباشرك بقذف الأسيت ويظفر بوجهك …
هل تخيلت !
هل تبادر بذهنك كمية الوحشية والإجرام في هذا المجهول البشري المفرغ تماماً من أي إحساس وشعور ؟
من السهل التخيل حين يكون الحادث متعلق بالآخرين ، لكن حين تغمض عينيك وتستفيق على سرير العناية في قسم الحروق بالمستشفى الجمهوري ، ربما سيكون الوضع أصعب من قدرتك على التخيل أو محاولة إعمال العقل فقط كما فعل فلاسفة الإغريق .
لكنها الجريمة ، الوحشية ، الجرأة في ارتكاب هذه السبعية الضارية من قبل مخلوق يشبهني ويشبهك ، في أبشع انحطاط إنساني عبر التاريخ !
كيف استطعنا جميعاً أن ننتج سباعاً ووحوشاً بيننا ونتعايش معها ؟ ولماذ نخاف من أسد أو نمر حين يفرون من حديقة الحيوان ؟
وبيننا ( رجل الأسيت ) لا زال آمناً في سربه معافاً في بدنه !
كل ما وجهتك أن تتخيله في بداية الحرف ، هو جزء من مشهد بسيط حصل لوجه المهندس الخلوق عبد الله سالم في مدينة الأصبحي ، فاحترقت قلوب من عرفوه قبل عينيه ، وتآكل كبد أمه وزوجته وذويه قبل تآكل جلده .
المهندس عبد الله سالم العزاني ضحية لفلسفة عقيمة أنتجت واقعاً مشوهاً يتفنن في أدوات وأساليب التشويه .
هذا الاعتراض الفلسفي هو حديث في لب الحادثة التي ارتكبها ( رجل الأسيت ) ، فعندما توهمنا أن جيناتنا الوحشية التي تخلصنا منها قبل آلاف السنين ، ها نحن كل يوم نتفاجأ بأحد مخلوقات العصر الحجري ينبش الحاضر بكل جرأة معتدية على القيم والأعراف والقانون والدولة ، ولا يجد الرادع الأمني المناسب لهذا السلوك البشع الذي تسقط به حضارات ، لأننا نترك لها فرص الانتشار والتكاثر !
إذا كنت تعرف المهندس الإنسان عبد الله سالم ، الذي عرفته منذ 26 عاماً ستدرك حجم الانتهاك الصارخ الذي تعرضت له الأخلاق الإنسانية المتجسدة بهيئته ، ستدرك خطورة الفيروس السبعي الذي يغزوا إنسانيتنا ونحن نغض الطرف عنه .
فالوحش الذي يحمل سلاحاً ويقتلك بطلقته ويدفنك إلى الأبد ، أقل وحشية من الوحش الذي يريد إشفاء غليله ببقية حياك وأنت مشوهاً وفاقداً للحواس .
فما ذنب الصغير الذي سيكبر وهو يشاهد وجه والده الذي نحتت عليه آثار الحقد المكبوت !
كيف سيستطيع تربيته على معنى التسامح ! كلمة الحب ! مفردة الوحدة ! وهو يشاهد كل يوم خارطة الوطن المشوه مرسومة على وجه أبيه !
واسمح لي أن أقول لك ، أن كل ما تبقى من هذه الجريمة البشعة وغيرها من حرائق القلوب المنسية ، هو مجرم مستتر ، وتساؤل مخيف له صوت الريح الغاضبة :
كيف سنستطيع تبرير مثل هذه المشاهد للقمر حين يرفض الإضاءة ويخسف للأبد ؟
هل سنقول له يا قمر ، آسفين ونبصم لك بالعشر لن نعيدها . وهو الذي خبر حقيقتنا المخادعة عبر القرون .
أم سنهمس في أذنيه نحن نستحق النور فلا تقسُ علينا ، وهو الذي يدرك قلوبنا التي امتلأت بالظلام !
*سيغيب عنا القمر وضوءه ، وسيعود بمده وجزره حين تعود ابتسامة عبد الله سالم . *