اخر الاخبار

أخبار عاجلة
الرئيسية / ادب و فنون / الروائي فاروق مريش يكتب ” مدرسةُ غزّة “

الروائي فاروق مريش يكتب ” مدرسةُ غزّة “

المرصد نيوز

أول درس تعلمه أبناء هذه المدرسة من مديرهم وقائدهم الشيخ المؤسس أحمد ياسين رحمه الله : “المقاومة تزيد المؤمنين صلابة، كالنار عندما يوضع عليها الذهب تزيده لمعاناً ، أنا أحب الحياة جدا، لكني أرفض الذل والخضوع والعدوان على نفسي ” .

” ما هو الوطن؟
هو الشوق إلى الموت من أجل أن تعيد الحق والأرض، ليس الوطن أرضاً، ولكنه الأرض والحق معاً؛ الحق معك، والأرض معهم “. هكذا تعلم تلاميذ غزة أيضاً ثاني درس من أستاذهم محمود درويش في هذه المدرسة .

هكذا نشأ طلاب هذه المدرسة يعانقون السيف والقلم في آن ، ويحتسون مشارب الدين والأدب من كأسٍ واحد .

فحين يتجسد الشعر البطولي إلى بطولة فهنا تكمن الملاحم ، وعندما تتفجر أحرف الكلمات الصادقة والمُلهمة تتحول إلى كمائن تحرق قلوب المحتل وتشفي صدور قومٍ مؤمنين .

هل يمكننا تصديق أن بقعة ضوء صغيرة في هذا العالم اسمها ” غزة ” تُشع للعالم أنواراً ، وتُرسل عبر أشلاء صغارها دروساً من عزة وأنفة، وأنات كهولها من تحت الأنقاض وصايا خالدة في الصبر والثبات والإخاء والتماسك ” شدوا بعضكم يا أهل فلسطين شدوا بعضكم ،
ما ودعتكم رحلة فلسطين
ما ودعتكم ” .

أريد حتى هذه اللحظة أن أشاهد إنساناً في غزة يتأفف ويتوجع ويُحمل المقاومة الملامة والمسؤولية ، لكني لم أجد ! بينما رأينا في دول قريبة شعوباً تُحمل قياداتها مسؤولية الزلازل والكوارث الطبيعية وهنا الفرق !

طيلة عشرين يوماً لم أسمع سوى زغاريد أمهات تشيع أبناءها ، وتكبيرات مسعفين يحملون نعش شهيد.
شاهدتُ جيران يهبون تجاه الغارات التي تصب غضبها على المنازل ليخرجوا منها الناجين، ويسعفوهم على أكتافهم بدلاً من السيارات التي نفد منها الوقود .

طيلة الفترة السابقة وأنا أتساءل: أيّ تربية خضع لها هؤلاء القوم ونحن نشاهد طفلاً صغيراً يحبو تحت الركام ويقول للمنقذين حوله ” شكراً عمو “؟!
في بلداننا لم يربونا على الشكر والامتنان في لحظات الحياة الآمنة، فمن الذي ربى هؤلاء على الشكر في لحظات الموت ؟

أيّ جهاز تعليمي مروا عبره ، حتى تصبح فيهم الأمية رقماً صفرياً، وتصل بهم المعرفة التقنية إلى إمكانيات معلوماتية يتفوقون بها على أعظم جهاز استخباراتي في العالم وهو الموساد الإسرائيلي؟! .

أتساءلُ أيضاً: أهي مدرسة النضال ، والكفاح الطويل أم هي عجينة الأرض وقداستها وطيبتها، وطينتها المباركة التي تشرفت بصلاة الأنبياء جميعاً خلف نبي الرحمة والسلام والحكمة؟!

ستنتصرون قسماً بوعد رب الطور في سور الإسراء، فمن يحمل أخلاقكم المستمدة من تعاليم الإسلام العظيمة لا ينهزم : ‏(( اغزوا بسم الله، في سبيل الله، مَنْ كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة، ولا كبيراً فانياً، ولا منعزلاً بصومعة، ولا تقطعوا نخلاً ولا شجرة، ولا تهدموا بناء‏ … )) .

علموا العالم كله بكل أديانه ، ومعتقداته ، ومؤتمراته ، ومدارسه ، وأعراقه، وجمعياته، وأممه المتشدقة بحقوق الإنسان وهي أكثر من يسعى لهدرها في كل المحافل أن الإرهاب في الإسلام معناه الاهتمام بالأسير وتطبيبه وتنظيف حمامه والحفاظ على مشاعره.
أن الإرهاب الغزيّ هو المحافظة على المدنيين، وعدم اغتصاب أسرى العدو ولو كانوا محتلين وغازيين ومنتهكين لكل دساتير الشرف والإنسانية.
علموهم أن الإرهاب في الإسلام هو مبتغى إنساني وحق أصيل من أجل البقاء، وهو إرهابٌ للمحارب والمقاتل والمعتدي، وليس له أي نزعات توسعية وأطماع استعمارية ورغبات إبادة وتهجير للشعوب وأصحاب الأرض، وليس هو الإرهاب الذي تمارسونه بكل وحشية أمام مرأى ومسمع القارات والمجرات والكون.
الإرهاب في الإسلام ليس تماماً كما صورته صنيعتكم داعش وجماعات التكفير والتنفير.

علموا العالم كله بما فيهم مليار ونصف المليار مسلم كما قال الشاعر نزار قباني :
يا تلاميذ غزة
علّمونا بعض ما عندكم
فنحن نسينا
علّمونا بأن نكونَ رجالاً
فلدينا الرجال صاروا عجينًا
علّمونا كيف الحجارة تغدو
بين أيدي الأطفال ماسًا ثمينًا
كيف تغدو دراجة الطفل لغمًا
وشريط الحرير يغدو كمينًا
كيف مصاصة الحليب
إذا ما اعتقلوها تحولت سكينًا

رتلوا عليهم آيات النصر كما استشرف الشاعر ، أن الجيل الثالث في مسيرة الحركة التحررية الغزية ( جيل طوفان الأقصى ) هم نتاج الجيل الثاني ( جيل الحجارة والمقلاع ) ، الذين سيجعلون من مصاصة الحليب سكيناً تغرز في خاصرة الآلة التي لا تُقهر ، وسيصنعون من دراجة اللعب ( طوفان الأقصى ) ، الذي سينهي وسيهوي بإسرائيل إلى النهاية واللاعودة، وهذا ما يراه الجميع بأنه قد أصبح أمراً حتمياً إن شاء الله .

أتسمحون لنا أيها الأباة الذين خُلقوا من عجينة التاريخ المعجون بتعاقب الحضارات، أن نسميكم بالملائكة ؟!
فالملائكة وحدها خُلقت من نور.

استمروا بنشر أجنحتكم الملائكية النورانية لتجلوا لنا الأفق فنرى حجم شيطنتنا وخذلاننا لكم، أيها الأُباة العظماء الذين لم نرَ أو نسمع مثلهم من قبل، إلا في بطولات وقصص مشابهة كقصص الصحابة والخالدين الذين صاغوا لنا فجر التاريخ، وكنا نعتقد أنها نُسجت لنا كأساطير للفاتحين والمنتصرين، حتى شاهدنا خلودكم بأعيننا، وشممنا رائحة عزتكم تفوح من غزة هاشم وتملأ العالم بطولة وصمودا وحرية وبسالة.

29/10/2023

🙇🏻‍♂️

عن المرصد نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × ثلاثة =