اخر الاخبار

أخبار عاجلة
الرئيسية / كتابات / ابتسامة ودمعتين ٢

ابتسامة ودمعتين ٢

ابتسامة ودمعتين ٢

الخميس #مثلث_فيثاغورس

المرصد نيوز/ بقلم/ فاروق مريش

 

هكذا شاءت الأقدار أن تعتلي فوق رؤوسنا ، وتجملنا بالصبر ، فحين كانت الشمس متعامدة على الجميع فاضت روحه إلى الله ، وكأن أرواح الطيبين الصادقين تتبخر كمياه المحيط الذي يشبه قلوبهم ، شمس ظهيرة الخميس أرسلت مع أشعتها خبر رحيل المهندس والمؤسس الأول لمهنة تفردت بها ” البذيجة ” منذ سبعينيات القرن المنصرم وهي كهرباء السيارات ، وقد كان لهذا الراحل الباقي بآثاره المهندس عبد الرحيم محمد سالم قصب السبق ، لم يكن مجرد عابر على هذه الفانية بل عرفتُهُ مدرسة مهنية وسلوكية بامتياز ، لم تعرف السيارات ولا القلوب أحلم ولا أجمل من نفسه المهذبة بالاتقان والجدية والانضباط وحسن الخلق .

من القلة الصامتين الذين تعلمت منهم فن الكلام ، كلامه بالجوارح وليس باللسان ، حديثه أبلغ حين يعمل ، وفكره أصوب وهو يغتسل بالعرق ، أدبه أكمل وهو يلهم أجيالاً كثيرة معنى أن يكونوا تياراً مستمراً يمنحون الضوء والحركة والطاقة بدون كلل أو ملل  .

هكذا هي الكبرياء حين تعشعش في قلب الكبار تمنحهم عزة وأنفة وهالة يهابها حتى ملك الموت فيعبر بهدوء وينسدل الستار عن صاحب الرواية دون إرهاق أحد .

 

وتستمر أعراسنا في الخميس لكنها ثكلى بعد أن كتبها الله في لوحه المحفوظ ، بأن أفراح الدنيا منقوصة وأن الفرحة المكتملة فقط في الجنة ، وبعد فرحة ما قبل العشر العجاف جاء الخبر مرة أخرى ليلقي علينا بقميص المهندس محمد عبده البذيجي فترتد فرحتنا حزناً ، وبسمتنا دمعاً ، حيث أننا لم نستفق من شرود الظهيرة ، لكنها الحقيقة التي أصرت أن تحرقني وتشبثت بنزفي فذرَّت الملح على الجرح .

في حديث المساء على الواتس أب مع ولده وأخي أنيس قال لي :

– الله كم كان يحبك ويحدثني عنك يا فاروق .

 

* كتبت له : رحل الإنسان الذي يستحق معنى الإنسان ،  تعلمت منه كيف تصبح الدمعة قصيدة .. وكيف يصير الخيال منشأة .

فارس الحب والحرف .. خبر وفاته مثل لي صدمة ربما لم أستفق من هولها إلى الآن .

ليس اعتراضاً على قضاء الله بل ندماً على تقصيري بحقه وعدم تمكني من إلقاء قبلة على جبينه تعطر بها شفتاي .

القبلة على الجبين النابض أشبه بفوحان وردة وإيقاع قيثارة .

وعزائي أني ارتشفت من معين حكمته في حياته ومن طهارة ابتسامته في مماته .

 

رحمك الله مهندس الشعراء وشاعر المهندسين .

رحمك الله يا رائد الكلمة والمنقلة .

 

بالنسبة لي أعتبرته أب وقدوة وأنموذج .

كان مدرسة سلوكية وأدبية وهندسية .

قبله لم يعرف البذيجي كتابة الشعر العربي وأسرار العمران وفنون البناء والزخرفة .

اكتفى أنيس ليلتها بالدمع ولسان حاله يتمتم

 

‏وكم ذُقنا المَرارةَ مِن ظروفٍ

بـرغـمِ قســاوةِ الأيــامِ لانتْ

 

هي الدنيـا لنـا فيها شــؤونٌ

فـإن زيَّنـتــها بالصبـِـرِ زانـتْ

 

هكذا كانت بداية العام بالنسبة لي ابتسامة ودمعتين .. قبلات تهنئة وتربيت مواساة ، معادلة شكلها مهندسون ثلاثة في حياتي ، شبيهة كل الشبه بنظرية مثلث فيثاغورس .

فرحة وحزنين جعلا ابتسامة فمي تشرق ، في ذات الوقت التي كانت دموعي تودع غروب أرواح أحبتي ، تماماً كما صاغتها النظرية .

 

« في مثلث قائم الزاوية، مربع طول الوتر يساوي مجموع مربعي طولي الضلعين المحاذيين للزاوية القائمة »

 

٢٣ يناير🙇

عن المرصد نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر + 11 =